تعتبر مدينة شوشا أحد المراكز الثقافية الأذربيجانية النادرة ، فإلي جانب تميزها بالطبيعة الخلابة ، فهي تعتبر معلما فريدا للعمارة الأذربيجانية وفن تخطيط المدن في العصور الوسطى ، ومركز الموسيقى الكلاسيكية ومهد أول أوبرا في الشرق ، ولذلك صدر قرار من الزعيم القومي لأذربيجان حيدر علييف في عام 1977 باعتبار الجزءالتاريخي القديم من مدينة شوشا محمية تاريخية ومعمارية .
قامت القوات المسلحة الأرمينية باحتلال مدينة شوشا في 8 مايو عام 1992 بعد إطلاق النيران الكثيف من المدافع الثقيلة على المدينة وشن غاراتً من ثلاثة جوانب حيث جرت تلك العملية بدعم من 40 مدرعةً من الفوج 366 السوفيتي التي منحتها روسيا السوفيتية للأرمن ، وخلال عملية الاحتلال قتلت القوات الأرمينية 195 من الأذربيجانيين في المواجهات التي جرت من أجل الدفاع عن شوشا , كما جرح 165 مواطنا وتم أسر 58 شخصا لم يُعرف عن مصيرهم أي معلومات حتي الآن ، كما تم تشريد 22 ألف مواطن من أراضيهم يعيشون في ظروف اجتماعية واقتصادية سيئة منذ بداية ذلك الاحتلال المرير من خلال سياسة التطهير العرقي التي تتبعها أرمينيا في الإقليم المحتل بهدف تغيير المعالم الديموغرافية علي أرض الواقع .
قبل اندلاع الحرب في قره باغ الجبلية واحتلال الإقليم من قبل أرمينيا كانت مدينة شوشا – مركز قره باغ فيما قبل العهد السوفيتي – تضم غالبية أذرية مسلمة بينهم بعض الأكراد ، لكن بعد حرب عام 1992 بين أذربيجان وأرمينيا وبعد أن سيطر الجيش الأرميني على قره باغ أجبر جل سكان الإقليم من الأذربيجانيين على الرحيل تحت ضغط الاضطهاد والتهجير القسري .
تعرضت مدينة شوشا أثناء الاحتلال الأرميني إلي نهب وتدمير المتاحف التي كانت تحتوي على آلاف من المقتنيات الأثرية والتي مثلت تاريخ وتراث أذربيجان ، كما تم تدمير المئات من الآثار التاريخية والثقافية ، وتخريب وتدنيس المساجد ودور العبادة وانتهاك المقدسات الإسلامية رمز وهوية سكان المدينة ، وكذلك إتلاف العديد من المخطوطات النادرة ، بهدف طمس ومحو الهويةالإسلامية الأذربيجانية في مدينة شوشا التاريخية العريقة .
مدينة شوشا بالنسبة لأذربيجان ليست مدينة عادية مساحة جغرافية وعليها مبان ومنشآت وبها عدد من السكان ، ولكنها مدينة لها خصوصية كبيرة لدي جميع سكان أذربيجان ، فهي بما تملكه من تراث تاريخي ومعماري وأثري إسلامي يعود إلي بداية دخول أذربيجان الإسلام في العام الثاني والعشرين من الهجرة النبوية ، فمدينة شوشا تمثل لأذربيجان أهمية تحمل عبق التاريخ والهوية مثلما تحمله مدينة القدس بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين ، وكما تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي إلي التمسك بمدينة القدس وتهويدها ومحو هويتها العربية والإسلامية باعتبارها دليل تاريخي علي عروبة تلك المدينة المقدسة ، فإن قوات الاحتلال الأرمني تقوم بمحاولات مستمرة ” لأرمنة ” مدينة شوشا ، ومحاولة تغيير معالمها الإسلامية الأذربيجانية ، وطرد السكان وإحلال مستوطنين أرمن بدلامنهم ، لأن مدينة شوشا وما تحتويه من تراث ومعالم وسكان أيضا هي أكبر دليل تاريخي وحضاري وديموجرافي علي انتمائها لأذربيجان .
يعتبر نزاع قره باغ الجبلية أحد أكبر نزاعات تسعينيات القرن الماضي بين جمهورتي جنوب القوقاز – أذربيجان وأرمينيا والذي بدأ عام 1988 بسبب مطامع الأخيرة في أذربيجان ، حيث لا تزال 20% من الأراضي الأذربيجانية ، والتي تتمثل في إقليم قره باغ الجبلية وسبعة مناطق مجاورة لها، ومنذ أن توصل الطرفان إلى التهدئة في مايو عام 1994 جرت عدة جولات من محادثات السلام غير المثمرة حتى الآن تحت رعاية مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا ( روسيا – فرنسا -الولايات المتحدة الأمريكية ) كما لم تلق القرارات الأربع الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ( 822 و853 و874 و884 ) ، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تدعو أرمينيا صراحة للإنسحاب دون قيد أو شرط من أراضي أذربيجان التي تحتلها أية استجابة من قبل أرمينيا ، وعلى الرغم من موافقة أذربيجان على مقترحات مجموعة مينسك حول إعادة منطقتي كلبجر ولاتشين المحتلتين خلال خمس سنوات ،فإن الجانب الأرميني رفض الانسحاب من تلك الأراضي .
وترفض أرمينيا كل وساطة لا تتوافق مع أطماعها الاستعمارية ، فهي ترفض الوساطة التركية في تسوية مشكلة قره باغ ،واصفة تركيا بأنها غير قادرة على ممارسة سياسة بناءة وغير منحازة ، وأن أنقره في سعيها لتسوية القضية وفققرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن تعتبر من وجهة نظر أرمينيا منحازة لأذربيجان ووسيط غير موثوق به ، ورفضت أرمينيا المشاركة في المشروع التركي للحل السلمي للنزاع في المنطقة ، والامتناع عن قبول المساعدةالتي تقدمها تركيا يضر بالوساطة في تسوية ذلك الصراع ، لأن الاستقرار في القوقاز يخدم مصالح كافة دول المنطقة .
تقوم أرمينيا بين الحين والآخر بتصعيد المواجهات في المناطق المحتلة رغم التزام أذربيجان بقرار وقف إطلاق النار ، ولكن تحاول أرمينيا أن تزيد من حدة التوتر في المنطقة ، حيث تشكل الحوادث المسلحة الخطيرة والتصريحات العلنية حولها ، وضعا ًمتأزماً ، خاصة على المرتفعات في منطقة خوجفند ، وقرية جولستان بمنطقة جورنبوي ، ومنطقة جبرائيل ، وقرية أشاغي عبدالرحمن لي بمنطقة فضولي ،وقرية قيزيل أوباوجوي أرخ بمنطقة ترتر ، وعلى مواقع القوات المسلحة الأذربيجانية المقابلة علي خط وقف إطلاق النار ، وتحاول أرمينيا من وراء تلك العمليات رفع الروح المعنوية لقواتها المسلحة ، والضغط علي السكان الأصليين لإجبارهم علي النزوح عن منازلهم وأراضيهم ، والتغطية علي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية ، وكذلك إيصال رسالة إلي العالم الخارجي وخاصة أوروبا والولايات المتحدة بأنها قادرة علي إشعال التوتر في المنطقة الحيوية بالنسبة لإمدادات الطاقة لأوروبا .
إن كل ما تطلبه أذربيجان هو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، والضغط علي أرمينيا بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالانسحاب من أراضي أذربيجان ، وعودة السكان المهجرين الذي طردوا من ديارهم قسرا ، حتي تتفرغ دول وشعوب المنطقة إلي البناءوالتنمية ، والاستفادة من ثرواتهم القومية في الرفاهية بدلا من استمرار المعاناة والدمار وتفاقم الصراع والعداء الذي ظل قائماً على مدى أجيال ، وحتي لا يتم توريث ذلك العداء إلي الأجيال القادمة ، فالسلام بين الدول هو أفضل السبل للحياةالكريمة المزدهرة للشعوب
http://www.bizturkmeniz.com/ar/index.php?page=article&id=24754&w=%DE%D1%E5%20%C8%C7%DB