صدر في العاصمة المصرية القاهرة كتاب ” قره باغ طريق السلام في القوقاز “، للكاتب والباحث المصري المعروف المتخصص في شئون القوقاز وآسيا الوسطي أحمد عبده طرابيك، حيث يمثل الكتاب أهمية كبيرة للعالم العربي، نظراً لقلة المصادر والكتابات التي تناولت قضية الاحتلال الأرميني لإقليم قره باغ من وجهة النظر العربية، وخاصة أن بعض الدول العربية بها جاليات أرمينية كبيرة حاولت خلال السنوات الطويلة الماضية أن تشوه الحقائق علي الأرض لصالح العدوان الأرميني، وقد استطاع الكاتب أن يربط بين القضية الفلسطينية وقضية قره باغ نظرا لما بين القضيتين من تشابه من حيث أن الطرف المعتدي والمحتل في القضيتين يحاول تسويق نفسه للعالم علي أنه صاحب حقوق مشروعة، علي حساب القتلي والمشرَّدين من أصحاب الأرض الأصليين، ويحتوي الكتاب على ثلاثة أبواب علي النحو التالي :
الباب الأول : الجغرافيا والتاريخ :
حيث يتناول الفصل الأول : الموقع الجغرافي لإقليم ” قره باغ الجبلية ” ، والتعريف بمنطقة ” القوقاز ” الذي تنتمي إليه دول المنطقة ، ومنها إقليم ” قره باغ الجبلية ” ، كما يتناول سكان الإقليم ، والتعريف بخصائصهم الديموغرافية واللغوية والدينية والثقافية ، وكذلك التعريف بجغرافية الإقليم ، ومناخه علي مدار العام ، وموارده الاقتصادية. ويتناول الفصل الثاني تاريخ الإقليم عبر العصور، منذ قبل التاريخ، وحتي اندلاع الصراع بين الدولتين المتصارعتين أذربيجان وأرمينيا في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، مروراً بفترة الحكم العربي الإسلامي للإقليم ، كما يوضح أهمية إقليم ” قره باغ ” باعتباره مركزاً للحياة السياسية في أذربيجان خلال بعض المراحل الزمنية ، وكذلك خلال حكم الصفويين للإقليم ، ثم توقيع معاهدة ” كوراك شاي ” علي أراضيها ، وخضوع ” قره باغ ” لحكم الإمبراطورية الروسية ، ومراحل تحول الألبان إلي المذهب الجريجورياني ، ثم تاريخ الإقليم في عهد جمهورية أذربيجان الشعبية ، مروراً بتطور ولاية ” قره باغ الجبلية ” عندما أصبحت ولاية ذات حكم ذاتي ، وفي النهاية الصراع العسكري بين أرمينيا وأذربيجان خلال الفترة من عام 1985 ، وحتي عام 1991 ، وما صاحبها من اعتداءات وتهجير للسكان، واحتلال أراضي الإقليم من قبل أرمينيا .
وفي الفصل الثالث يتناول دور قادة أذربيجان، وخاصة الرئيس الراحل ” حيدر علييف “، وخليفته الرئيس ” إلهام علييف ” في تسوية الصراع بالطرق السلمية، وإنهاء الاحتلال الأرميني لإقليم ” قره باغ الجبلية ” ، وعودة السكان المهجَّرين إلي بيوتهم وأراضيهم .
أما الباب الثاني ، والذي جاء تحت عنوان : الحرب في ” قره باغ الجبلية ” :
فقد تناول الفصل الأول جذور الصراع في إقليم ” قره باغ الجبلية ، والذي يمتد لأكثر من مائة عام ، وليس كما يعتقد البعض بأن الصراع يعود لنهايات القرن الماضي ، وفي الفصل الثاني ، يتم الحديث عن الجرائم التي ارتكبها الأرمن بحق الأذربيجانيين ، والتي يأتي في مقدمتها ” مذبحة خوجالي ” التي تمثل أحد أكبر الجرائم بحق الإنسانية ، نظراً لفظاعة أعمال العنف والقتل التي صاحبها والتي كانت تستهدف ترهيب السكان لإجبارهم علي الهجرة ، واقتلاعهم من بيوتهم وأرضهم ، وكذلك مذبحة 20 يناير ، والتي عُرفت باسم ” مأساة يناير الأسود ” لما شملته تلك الأعمال من بطش وعنف بحق السكان المدنيين ، كما يتناول الحديث عن الحصاد المرير لنتائج الحرب العدوانية التي شنتها أرمينيا علي الأراضي الأذربيجانية ، في محاولة من أرمينيا لفرض سياسة الأمر الواقع بعد تهجير السكان الأذربيجانيين ، واستيطان سكان أرمن بدلاً منهم ، كما يتم عرض لمفهومي ” وحدة الأراضي ” ، و ” حق تقرير المصير ” ، وأولوية كل منهما ، وما ينطبق علي إقليم ” قره باغ ” من هذين المفهومين ، مع الاستشهاد بقضايا دولية مماثلة ، وفي نهاية الفصل الثاني يتم الحديث عن النتائج السلبية لاستمرار الصراع ، والتي تتمثل في زيادة سباق التسلح بين الطرفين المتصارعين ، وإن كان يميل بشكل ملحوظ لصالح أذربيجان التي تمتلك دوافع كبيرة لذلك التسلح ، أهمها تحرير أراضيها المحتلة ، وإن كان سباق التسلح بالنسبة لها لا يعني الحرب ، بقدر ما يعني الضغط بشكل أكبر علي أرمينيا لتسوية الصراع بالطرق السلمية .
يتناول الفصل الثالث ، أعمال العنف والإرهاب ، الذي تعرضت له أذربيجان وشعبها علي أيدي الجماعات المسلحة الأرمينية ، التي تم تشكيها بهدف ترويع المواطنين وتهجيرهم ، كما يتضمن قائمة بالعمليات الإرهابية التي قامت بها تلك الجماعات المسلحة ، ومن قام بها ، والأحكام القضائية التي وقعت عليهم ، وعدد الضحايا الذين نالهم هذا الإرهاب .
أما الفصل الرابع ، فقد تضمن مقارنة بين الصراع العربي الإسرائيلي وما يحمله من أطماع ووحشية من أجل تنفيذ أهدافه ، وبين الصراع الأرميني الأذربيجاني ، وعرض أوجه التشابه الكبيرة بين هاتين القضيتين ، من خلال قرارات الشرعية الدولية التي صدرت بحق أصحاب الأراضي المحتلة ، وعمليات القتل والتهجير والاستيطان المتبعة بهدف تغيير المعالم الديموغرافية ، وكذلك المراوغة في عقد المؤتمرات وحلقات المفاوضات من أجل المراوغة والتملص من القرارات الدولية ، وذلك بفرض مرجعيات غير المرجعيات الدولية الأصلية ، والأطراف الدولية الكبري المهيمنة والمحتكرة للوساطة غير النزيهة في الصراع نظراً لمساندتها القوية واللامحدودة للطرف المعتدي ، بالإضافة إلي تأثير كل من اللوبي الداعم لإسرائيل ، واللوبي الأرميني الداعم لأرمينيا ، حيث يظهر تأثير ذلك اللوبي في صناعة القرار داخل الولايات المتحدة والدول الغربية الكبري الأخري ، ويتجلي ذلك التأثير عند معرفة أن إسرائيل وأرمينيا أكبر دولتين متلقيتان للمعونات الأمريكية ، هذا بالإضافة إلي تشابه الضحايا في كلا الصراعين ، وخاصة من اللاجئين والمشرَّدين الذين تم تهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم ، وأخيراً التشابه بين المدن التي تمثل أهمية حيوية وتاريخية ولها مكانة في قلوب الشعبين الفلسطيني والأذربيجاني وهما مدينتي القدس وشوشا .
أما الباب الثالث ، والذي يحمل عنوان : المفاوضات وآفاق التسوية :
فقد تناول الفصل الأول ، الجهود التي بذلت من أجل إيجاد تسوية سلمية للصراع ، والمراحل التي مرت بها العملية السلمية .
أما الفصل الثاني ، فقد تناول العقبات والصعوبات التي واجهت العملية السلمية ، والتي يأتي في مقدمتها عدم وجود نية خالصة لدي الجانب الأرميني لتسوية الصراع سلمياً ، والصراع الخفي داخل السلطة في أرمينيا ، والتي تستخدم الصراع في ” قره باغ الجبلية ” كورقة لإثارة المشاعر القومية ، من أجل اكتساب مواقف سياسية داخلية .
والفصل الثالث ، تناول الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الصراع حول ” قره باغ الجبلية ” ، والتي يأتي في مقدمتها روسيا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد الأوروبي ، وإيران ، وتركيا ، ودور كل طرف منها في هذا الصراع ، ومصالح تلك الأطراف في المنطقة ، ودوافعها في مساندة أي من الطرفين المتصارعبن .
والفصل الرابع ، يتناول قرارات الشرعية الدولية التي صدرت بشأن ذلك الصراع ، وموقف المنظمات الدولية والإقليمية من الصراع في ” قره باغ الجبلية ” ، والتي يأتي في مقدمتها الأمم المتحدة ، ومؤسساتها الدولية وأهمها مجلس الأمن الدولي ، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي ، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، والمجلس الأوروبي ، ورابطة كومنولث الدول المستقلة ، ومنظمة جوام ” GUAM ” ، كما يتناول ذلك الفصل العوامل المؤثرة في هذا الصراع ، وأهمها العامل الاقتصادي ، وما يصاحبه من مصالح للقوي الدولية والإقليمية ، وقدرة طرفي الصراع علي زيادة الانفاق العسكري والتسلح ، وبدائل التسوية ، وعما إذا كان ذلك الصراع سوف يجد تسوية سلمية له ، أم سيكون الخيار العسكري هو الحاسم فيه .
أما الفصل الخامس والأخير، فيتناول تطور العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا علي مدي العصور .